مازال موضوع الفساد حاضرا ضمن الواقع السياسي والإداري المغربي، وذلك باعتراف من منظمات دولية ومؤسسات وطنية في مجال الشفافية والنزاهة، وفي ظل تواتر الأرقام التي تؤكد استشراء هذه الظاهرة وطنيا، بشكل لم تنجح التشريعات والقوانين المؤطرة في كبحه.
منظمة الشفافية الدولي (ترانسبرانسي) أكدت في آخر تقرير لها أن “المغرب تراجع في إدراك الفساد خلال سنة 2023 بحوالي 3 مراكز، مقارنة مع تقرير سنة 2022، مع احتفاظه بالتنقيط نفسه، أي 38 من أصل 100 نقطة”. بدوره نبه محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، قبل أيام، إلى أن “استمرار الفساد من شأنه تغذية التفاوتات الاجتماعية وتبديد الموارد وإعاقة التنمية”.
وعلى هذا النحو، وصلة بالحملة ضد المنتخبين والسياسيين، وبآخر تقرير للمجلس الأعلى للحسابات بخصوص مالية الأحزاب السياسية، يظهر أن تنزيل النموذج التنموي الجديد، الذي أُعطيت انطلاقة العمل به قبل نحو ثلاث سنوات، “من المنتظر أن يواجه إشكالات ستؤثر لا محالة على أهدافه”، وهو ما أكده مراقبون .
الفساد “يهدد التنمية”
رشيد لزرق، رئيس “مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية”، بين أن “النموذج التنموي لسنة 2035 الذي أعطى الملك محمد السادس انطلاقة العمل به حدد الهدف في بلوغ مصاف الدول الصاعدة، غير أن تنزيله يبقى مهددا، وأكبر مُهدد له هو الفساد بحد ذاته، ذلك أننا لسنا أمام أزمة نصوص وتشريعات وقوانين، بل أمام أزمة نخب ومسؤولين”.
لزرق أكد، أن “هذا المخطط التنموي، الذي اقترن منذ البداية بتكريس الخيار الديمقراطي، يواجه مجموعة من الصعوبات التي تعيق تنزيله بالشكل السليم، على اعتبار أن النجاح في تنزيل مضامينه يمر أساسا عبر إعادة الثقة بين الدولة والمواطن، إلى جانب مكافحة الفساد الذي يبقى من أكبر المعضلات والتحديات التي يعيشها المغرب في الوقت الراهن”.
وزاد المتحدث ذاته: “ربما هذه الأمور كلها كشف عنها آخر تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، إذ بين بشكل واضح تعامل الأحزاب، باعتبارها العمود الفقري للخيار الديمقراطي، مع المال العام، وهي المُعوَل عليها أساسا لتفريخ النخب التي تُنتظر منها المساهمة في تنزيل المخطط التنموي والقوانين التي تبتغي محاربة الفساد”.
وبين لزرق كيف أن “المماطلة في إخراج قانون الإثراء غير المشروع لا يتماشى والتوجهات الملكية والطموحات الوطنية في سبيل تدعيم الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، في وقت لم تكن المنظومة الحزبية في الموعد ولم تتعامل بالجدية المطلوبة مع مثل هذه الأوراش، فأحزاب المعارضة التي ينتظر منها تقديم البديل تبقى بدورها غارقة في الفساد، وهو ما يصعب من تنزيل المخططات التنموية ودولة القانون والمؤسسات”، خالصا إلى “ضرورة إعمال الجدية والحزم بهدف تطهير السياسة من الفساد بشكل يسمح بسلاسة تنزيل المخططات الوطنية كما هو مرسوم لها”.
من أجل تنزيل سليم
محمد شقير، الكاتب والمحلل السياسي، أفاد بأنه “من البديهيات أن الفساد يظل أحد أبرز المشاكل التي تواجه أي مشروع ومخطط كان، خصوصا إذا تعلق بتنمية البلاد ومحاولة تمكينها من مكانة متقدمة في مصاف الدول المتقدمة، وهو ما أتى النموذج التنموي لسنة 2035 من أجل تحقيقه”.
وأضاف شقير، أن “تنزيل النموذج التنموي الجديد يتطلب سياسات خاصة وسياسيين مُعينين يعملون على تنزيل مقتضياته بالشكل الذي يجب، وهو ربما ما أرادت الدولة السير في اتجاهه، من خلال عملها على القطع مع السياسات وطرق التدبير المعمول بها من طرف عدد من المنتخبين؛ ذلك أن الدولة فطنت إلى أن الاستمرار في الإيقاع نفسه سيؤدي حتما إلى تنزيل هذا النموذج التنموي بالشكل الذي لا يليق به”.
المتحدث ذاته أكد أن ” التدابير التي تم اتخاذها في الآونة الأخيرة من قبل صناع القرار السياسي بهدف تضييق الخناق على الفساد تسير في هذا الاتجاه، وذلك بهدف ضمان تنزيل مختلف المخططات الوطنية، بما فيها النموذج التنموي، إذ ارتأت الدولة إعطاء إشارة إلى أن الأسلوب المعمول به في التسيير والتدبير السياسي يبقى متجاوزا ولا يلائم مقتضيات المرحلة وطموحات البلاد في تحقيق الإقلاع التنموي”.
وأوضح الكاتب والمحلل السياسي ذاته أن “الدولة لديها رغبة أكيدة في القطع مع هذه الأساليب في تدبير الشأن الوطني، وهو ما أكدت عليه الرسالة الملكية الأخيرة إلى البرلمان”، خاتما: “كل الإجراءات التي أقدمت عليها الدولة أتت بعد خروجها من المنطقة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية، وبالتالي ظلت عازمة على خلق مناخ سياسي واقتصادي قادر على جذب الاستثمارات الأجنبية وتنزيل النموذج التنموي كما يجب”.

The post المغرب مهدد بالمزيد من الفقر خلال سنوات لهذا السبب؟ appeared first on أريفينو.نت.
إرسال تعليق