المسيرون والمدرب الوطني: بين المديح عند التعاقد والتنكر عند الإخفاق

بقلم : محمد غفغوف

 

 

 

 

 

في كل موسم كروي، تتكرر نفس المشاهد داخل الأندية الوطنية: تعاقد مع “الإطار الوطني” وسط هالة من الإشادة بقدراته ووطنيته، ثم إقالة صامتة بعد أول سلسلة من النتائج السلبية، غالبًا تحت شعار “التراضي”، وكأن الطرفين قررا فجأة أن علاقتهما لم تكن سوى سحابة صيف، هذه الظاهرة التي تحولت إلى قاعدة غير مكتوبة في كرة القدم الوطنية، تطرح أكثر من علامة استفهام حول طبيعة التسيير الرياضي في زمن يُفترض أنه احترافي.

وما إن يوقع المدرب الوطني عقده مع أحد الفرق حتى تبدأ عبارات المديح تتطاير من أفواه المسيرين: “ابن الدار”، “يفهم عقلية اللاعب المحلي”، “رجل المرحلة”، لكن سرعان ما يتحول هذا المدح إلى تململ ثم إلى قطيعة، خاصة إذا لم تكن النتائج في صالحه. والمثير أن الإقالة غالبًا ما تأتي بعد ضغط جماهيري وإعلامي، وكأن قرار استمرار المشروع الرياضي مرهون بمزاج المدرجات وليس برؤية تقنية واضحة.

في كرة القدم الحديثة، يُعتبر الاستقرار الفني مفتاح النجاح، لكن في البطولة الوطنية، يبدو أن بعض المسيرين لا يؤمنون بهذه القاعدة، فهم أسرى ضغط الجماهير التي تطالب برأس المدرب بعد تعثر أو اثنين، فينحني المسير للعاصفة بدل أن يحمي مشروعه الرياضي من الاهتزازات العابرة، وإذا كان للجمهور تأثيره، فالسؤال المطروح: أين هو المسير القادر على اتخاذ قرارات مبنية على رؤية طويلة المدى بدل الخضوع للحماس اللحظي؟

وفي ظل هذه الممارسات، من الصعب الحديث عن احتراف حقيقي، فكرة القدم ليست مجرد نتائج آنية، بل مشروع يتطلب الصبر والعمل وفق استراتيجية واضحة، لكن طالما أن قرارات الإقالة تُتخذ بنفس العشوائية التي يتم بها التعاقد، ستظل الكرة الوطنية تدور في حلقة مفرغة، حيث يبدأ كل مدرب من الصفر، ولا أحد يتعلم من أخطاء الماضي.

في ختام هاته الورقة المتواضعة فالاحتراف لا يعني فقط تعاقدات ضخمة وأجور مرتفعة، بل يقتضي أولًا تغيير العقلية السائدة في تدبير الأنديةالمغربية، بدون استقرار فني، وبدون مسيرين يؤمنون بالمشاريع طويلة الأمد بدل الانجرار خلف العواطف، ستبقى كرة القدم الوطنية، تدفع ثمن العشوائية، وسيظل “الإطار الوطني” ضحية لمنظومة لا تؤمن بمنطق الاستمرارية.

Post a Comment

أحدث أقدم