رغم التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها المغرب خلال العقود الأخيرة، لا تزال المرأة القروية تواجه تحديات هيكلية تحد من فرصها في التمكين الاقتصادي والاجتماعي. تعكس البيانات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط بوضوح استمرار الفجوة الجندرية في سوق العمل، حيث أن 70.5% من النساء القرويات العاملات لا يحصلن على أي أجر مالي، بينما تشتغل 60.3% منهن كمساعدات عائليات دون مقابل.
هذه المعطيات لا تؤثر فقط على معيشة النساء القرويات، بل تكبد الاقتصاد الوطني خسائر تصل إلى 2.2% من الناتج الداخلي الإجمالي، ما يبرز حجم التأثير السلبي لضعف إدماجهن في الدورة الاقتصادية. على الرغم من أن النساء يمثلن 49% من سكان القرى، إلا أن نسبة كبيرة منهن تبقى خارج سوق العمل والتعليم، حيث تصل الأمية بينهن إلى 48.4%. أما بين الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و29 سنة، فإن 61.8% يصنفن ضمن فئة NEET (لا دراسة، لا عمل، لا تكوين).
يؤكد المحلل الاقتصادي ياسين أعليا أن النساء القرويات يعانين من وضع هش في سوق العمل، حيث تبلغ نسبة انخراطهن فيه حوالي 70%، لكن غالبية هذه الأعمال غير مدفوعة الأجر، مما يكرّس البطالة المقنعة. ورغم تصنيفهن ضمن الفئة النشيطة اقتصادياً، إلا أن مساهمتهن الفعلية تظل محدودة بسبب تركز أعمالهن في إطار المساعدة العائلية دون أي تعويض مادي. كما أوضح أن هذا الواقع أكثر انتشاراً في القرى مقارنة بالمدن بسبب الطبيعة الاجتماعية السائدة في الأرياف.
وأضاف أعليا أن ضعف فرص التكوين يشكل عائقاً رئيسياً أمام المرأة القروية للولوج إلى سوق العمل، خاصة في ظل ارتفاع معدل الأمية وغياب فرص تعليمية أو مهنية. هذا الوضع يقلل من فرصهن في اكتساب المهارات اللازمة للحصول على وظائف لائقة سواء في الوسط القروي أو عبر الهجرة إلى المدن.
ارتفاع معدلات البطالة بين النساء القرويات يدفع العديد منهن إلى الهجرة إلى المدن، حيث يتركز أغلبهن في وظائف هامشية مثل العمل كخادمات أو موظفات بصناعات منخفضة الأجر كالتعليب والنسيج. ومع ضعف الأجور وسوء ظروف العمل، تزيد هذه الظاهرة من تعميق الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين المدن والقرى.
من جهة أخرى، أشار أعليا إلى أن التحولات الاجتماعية التي يشهدها العالم القروي تنعكس في ظواهر أخرى مثل تراجع سن الزواج بين الفتيات نتيجة ضعف الإمكانيات الاقتصادية للعائلات، مما يطيل اعتماد الأسر على بناتهن للمشاركة في الأعمال المنزلية والزراعية.
على المستوى الوطني، فإن نسبة النشاط الاقتصادي للنساء القرويات لا تتجاوز 20% مقارنة بالرجال رغم ارتفاع معدل البطالة بينهن. وأكد المحلل أن هذا الواقع يتطلب سياسات فعالة لتحسين تشغيل النساء في العالم القروي. ويوصي بتطوير برامج تكوينية موائمة لاحتياجات سوق العمل وتوفير بنية تحتية تمنح النساء فرصة العمل بكرامة.
يُعد التمكين الاقتصادي للمرأة القروية قضية اجتماعية ضرورية وأساساً لتقليل الفوارق الاقتصادية وتعزيز التوازن بين المجالين القروي والحضري. يتوجب على الدولة التدخل عبر تحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي وضمان المساواة في الوصول إليها بالمناطق الريفية.
كما يقترح التقرير تسهيل خدمات رعاية الأطفال عبر إنشاء دور حضانة بتكاليف معقولة وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. أضافت التوصيات ضرورة تطوير برامج تشغيل وريادة أعمال تستهدف النساء القرويات وتوسيع مجالات التمويل لدعم مشاريعهن الصغيرة والمتوسطة.

The post ملايين النساء المغربيات يضيعن هذه الفرصة الكبيرة؟ appeared first on أريفينو.نت.
إرسال تعليق