الهجرة إلى أوروبا: حين يتحول الحلم إلى كابوس!

ريف ديا /// احمد علي المرس

إن من أكبر الكوارث التي ابتُلي بها هذا الجيل المعاصر هو وهم الهجرة إلى أوروبا، الهروب الجماعي نحو المجهول، نحو أرضٍ ليست أرضهم، وثقافةٍ لا تشبههم، ومجتمعٍ لا يرحم جهلهم ولا يُغفر لهفوتهم. شبابٌ قرروا في لحظة يأس، أو تحت ضغط الوهم، أن يغادروا الوطن دون تفكير، دون تخطيط، دون مؤهلات، كأنهم يلقون بأنفسهم في بحر الهلاك وهم يرددون أكذوبة الأمل الأوروبي. ناسٌ لا يحملون معهم شهادةً ولا تخصصًا ولا دبلوما، لا يتقنون لغة ولا حرفة، يفرّون من بلدهم كما يفرّ الجُبناء من ساحة معركة، ظانين أن الغربة سترحب بهم وتفتح لهم أبواب الجنة، وهم في الحقيقة لا يعرفون حتى كيف يطرقون الأبواب.

ويا للأسف، رأيتُ بأمّ عيني ما لا يمكن أن أنساه، رأيت شبابًا يتسولون، يتعاطون المخدرات، ينامون في الشوارع والحدائق، يقتاتون من القمامة، يعيشون على الفتات، سُرقت كرامتهم ومسخت ملامحهم، رأيت فتياتٍ يبعن أجسادهن مقابل لقمة أو سكن أو ورقة إقامة، سقطن في مستنقع الرذيلة والمهانة. أين هي الكرامة التي فروا من أجلها؟ أين هو المستقبل الذي حلموا به؟ لا عمل، لا استقرار، لا هوية، لا طموح، فقط التيه والضياع والتقوقع في زوايا النسيان. أوروبا ليست مكانًا للضعفاء، ولا رحيمة بالجهلاء، إنها أرض لا تعترف إلا بالكفاءة والمعرفة والمهارات. ومن لا يحمل هذه الأدوات، فمصيره الضياع المؤلم، والمهانة المستمرة.

ثم نتساءل لماذا يغادرون؟ نعم، لا بد أن ننتقد بشدة هؤلاء الشباب، لكن لا يجب أن نغفل المسؤول الأول: الدولة والحكومة التي فشلت فشلاً ذريعًا في احتواء أبنائها، في خلق فرص حقيقية للعمل، في توفير تعليم نافع، في بناء اقتصاد يخدم المواطن لا حفنة من المستفيدين، حكومة لا تنظر إلا لمصالحها، وبرلمان غارق في الامتيازات، وسياسات عرجاء لا ترى أبعد من أنفها. هل وفرت الدولة مناخًا يجعل الشاب يفكر في البقاء؟ هل أعطته الأمل في غدٍ أفضل؟ هل دعّمته في مساره الدراسي أو المهني؟ أم تركته يتخبط في البطالة والتهميش والإقصاء؟ إن المسؤولية لا تقع فقط على من يهاجر، بل على من دفعه للهروب أصلاً، على من جعل الوطن خانقًا، والكرامة منعدمة، والحياة قاسية إلى حد أن البحر أصبح أهون من البقاء.
الهجرة، حين تكون مدروسة، قد تكون إنقاذًا. لكنها، حين تُبنى على وهم، فهي تذكرة باتجاه واحد نحو الجحيم. على الشاب أن يسأل نفسه: هل أملك الكفاءة؟ هل أُجيد لغةً؟ هل أتحكم في أدوات العصر، من الذكاء الاصطناعي إلى الإعلاميات؟ إن لم يكن كذلك، فليبقَ في بلده، وليعمل على نفسه، وليطور ذاته بدل أن يرميها في المجهول. أما الحكومات، فعليها أن تخجل من نفسها، أن تعترف بعجزها، وأن تدرك أن من لا يستثمر في شعبه، فسيخسره، إما إلى الغربة أو إلى التطرف أو إلى الانحراف.

ويزيد الطين بلة أن الإنسان حين يغيب سنوات طوال دون أن يحقق شيئًا مما كان يظن، يُصاب بالخجل من العودة إلى وطنه، يخشى نظرات الناس، ويكتم الحقيقة، ويتفادى اللقاء مع الأهل والأصدقاء، فيغرق أكثر في العزلة والتيه. وهنا يصبح المثل المغربي الصادق مرآةً لهذا الواقع “شحال غاب، شحال جاب”؟
إذ ما فائدة الغياب إن لم يكن غيابًا مثمرًا يعود بخير على النفس وعلى الأهل والوطن؟ هل تستحق الغربة أن نخسر أنفسنا فيها دون مقابل؟ هل يعقل أن نضيع العمر في السراب فقط لأننا لم نحسن التقدير؟
فيا من تفكر في الهجرة دون زاد، ويا من تعتبر البحر معبرًا نحو الأحلام، راجع نفسك، وواجه حقيقتك، فالغربة ليست جنةً بل امتحان، لا ينجح فيه إلا الأقوياء، العارفون، المؤهلون. أما البقية، فهم وقود في آلة لا ترحم، أرقام في سجلات الهلاك، ودمى تتقاذفها الحياة في وطنٍ ليس وطنهم، بينما تمر السنوات ويمر العمر، ويضيع كل شيء، حتى الحلم.

The post الهجرة إلى أوروبا: حين يتحول الحلم إلى كابوس! appeared first on RifDia.Com.

Post a Comment

أحدث أقدم