بقلم: فكري سوسان
لقد قرأتُ هذا الأسبوع مقالًا للكاتب المغربي فؤاد العروي في إحدى الجرائد المغربية، تحدّث فيه عن تسلّل الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسه “تشات جي بي تي”، إلى الفصول الجامعية. كان مقالًا صادقًا وعميقًا، وقد دفعني بدوري إلى التفكير فيما نعيشه نحن، الأساتذة الجامعيين، من تحوّلات صامتة ولكنها عميقة.
في قاعات الدرس، لم أعد متأكدًا دائمًا أنني أتحدث إلى طالب. أحيانًا، أشعر أنني أُحاور شاشة ناطقة. أطرح سؤالًا بسيطًا في بداية الحصة، ولا أحد يجيب. تمرّ دقائق، ثم تبدأ بعض الأيادي بالارتفاع، ويأتيني سيل من الملاحظات المعقّدة والاعتراضات الدقيقة، وكأن الطلبة قد قرأوا عشرات الكتب في دقيقة واحدة.

لكن حين أطلب التوضيح، أو أطرح سؤالًا فرعيًا بسيطًا، تنكشف الحقيقة: لا أحد فهم ما قاله. لأن ما قيل، لم يكن من إنتاجهم، بل من إنتاج الذكاء الاصطناعي. نُسخ من شاشة الهاتف، وأُلقي أمام الأستاذ بثقة… ولكن بلا فكر.
جيل اليوم بدأ يعتاد على أن يظهر بمظهر المثقّف دون أن يُتعب نفسه. لا يقرأ، لا يحلّل، لا يُشكّل رأيًا. يسأل الروبوت، ينسخ الجواب، ويتحدث كما لو أنه اجتهد. وهنا تبدأ المأساة: اختفاء الجهد الشخصي، وانهيار العلاقة الأصيلة بين الطالب والمعرفة.
لسنا ضد الذكاء الاصطناعي، ولن نطالب بإلغائه، فهذا وهم. لكننا نطالب بشيء بسيط: أن يبذل الطالب جهدًا حقيقيًا. أن يُفكّر. أن يُخطئ ويتعلّم. أن يعود إلى الكتاب، إلى النقاش الحقيقي، إلى الكتابة بخط اليد، إلى اختبارات يُقاس فيها جهد الطالب، لا سرعة اتصاله بالذكاء الاصطناعي.
أنا، شخصيًا، منعت استعمال الهواتف أثناء الحصص. لا دخول لـ”تشات جي بي تي” إلى قاعاتي. إن أراد الطالب رأيًا، فليُنتجه بنفسه. وإن أراد أن يناقش، فليقرأ، ويفهم، ويُفكّر.
الذكاء الاصطناعي باقٍ. نعم. لكن الفكر البشري يجب أن يبقى أيضًا. مهمتنا كأكاديميين ليست مقاومة الآلة، بل حماية الإنسان من أن يتحوّل إلى آلة أخرى.
وللطالب الذي يقرأ ما كتبه “تشات جي بي تي”: اقرأه أولًا، افهمه، أضف إليه شيئًا منك. لأن ملامحك، ونبرة صوتك، ونظرة عينيك… تكشف الحقيقة دائمًا.
The post “تشات جي بي تي” في الجامعة: الضيف الذي لم يدعه أحد appeared first on موقع التبريس الاخباري.
إرسال تعليق