زيارة جمعية أندلسية الألم إلى بني انصار … كسر الصمت ورسم مسار دبلوماسية شعبية عابرة للحدود

ريف ديا

في مشهد نادر يحمل دلالات عميقة عن الروابط التاريخية والاجتماعية بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، احتضنت مدينة بني انصار المغربية يوم السبت حدثا سياسيا واجتماعيا بالغ الرمزية. فقد استقبلت المدينة وفدا مكوّنا من أكثر من سبعين شخصا من جمعية أندلسية الألم، برئاسة الدكتور إغناسيو فيلاسكيز ريفيرا، العمدة الأسبق لمدينة مليلية خلال فترة التحول الديمقراطي بين 1991 و1998، في زيارة تتجاوز الطابع البروتوكولي نحو أبعاد إنسانية وتاريخية جديدة.

ضمّ الوفد أطباء وممرضين وشخصيات بارزة من الأندلس ومليلية، في تعبير واضح عن رغبة حقيقية في إعادة فتح الحوار الإنساني والمدني حول التحديات المشتركة، وعلى رأسها الإغلاق شبه الكلي للحدود والتداعيات الاجتماعية والاقتصادية المترتبة عنه.

وقد جرى استقبال الوفد من طرف المجلس الجماعي لبني انصار، ممثلا في نائب الرئيس السيد محمد الصغير، وعضوة المجلس المكلفة بالعلاقات الخارجية السيدة مجدولين الحموتي. كما حضر اللقاء الفاعلة السياسية والبرلمانية السابقة ليلى أحكيم و المستشارة الجماعية ببلدية الناظور وعضوة المجلس الاقليمي للناظور دينا أحكيم بالإضافة إلى ممثلون عن هيئات مدنية بارزة، منها منتدى مليلية الفلسفي للفكر والتعليم، وجمعية الريف الكبير لحقوق الإنسان، وجمعية موشي بنميمون للتراث اليهودي المغربي وثقافة السلام وأخرون. هذا الحضور المتنوع يعكس التزاما مجتمعيا حقيقيا بإعادة نسج العلاقات مع مليلية وإسبانيا من منظور إنساني قائم على الذاكرة المشتركة.

وفي كلمة مؤثرة، دعا الكاتب والأستاذ خوان كارلوس كابيرو، رئيس منتدى مليلية الفلسفي، إلى تجاوز منطق الحواجز والتفكير في المستقبل ببناء “طرق حقيقية لعبور الأشخاص والأفكار” من أجل علاقة أخوية تتجاوز الأحكام المسبقة وتعزز السلام بين الشعوب.

وحظيت الزيارة أيضا بحضور لافت للسيناتورة الإسبانية إيزابيل ماريا مورينو محمد، عن الحزب الشعبي، في إشارة واضحة إلى الرغبة السياسية في إعادة تحريك النقاش المجمد حول وضعية المعابر الحدودية بين المغرب وإسبانيا. وقد أظهرت كلمات الدكتور فيلاسكيز والسيد الصغير بأن اللقاء لم يكن مجرد زيارة مجاملة، بل كان فعلا مدنيا عميق الدلالة، ينبع من التاريخ المشترك والطموح إلى تحويل الأسلاك والجدران إلى جسور تعايش.

ومن أبرز لحظات الزيارة، اللقاء الحميمي ابان مائدة الشاي مغربي التي أقيمت على شرف الوفد، حيث تم تبادل الآراء حول الإغلاق المستمر لمعابر فرخانة وباريو تشينو وماري ويري، وتأثيراته المدمرة على سكان الناظور ومليلية معا، وقد أعرب الوفد الإسباني عن تفهّمه العميق لما تعانيه المنطقة، مشددا على أن مطلب إعادة فتح المعابر هو مطلب مشترك بين شعبين شقيقين.

وفي سياق تعميق هذا التعاون، اقترح الدكتور فيلاسكيز تنظيم “الملتقى المتوسطي للطب والصيدلة” في جهة الناظور، كمبادرة علمية وإنسانية تهدف إلى تبادل المعارف بين المهنيين في القطاع الصحي، وتجسيد التعاون عبر الحدود في مجالات تخدم الإنسان.

ويعد هذا اللقاء أول تقارب غير رسمي لكنه علني بين شخصيات سياسية من مليلية وفاعلين من المجتمع المدني المغربي، ما يكرس دينامية جديدة في إطار “دبلوماسية القرب”، وهي دبلوماسية شعبية تتجاوز الجمود المؤسساتي، وتستند إلى إرادة الشعوب في التعايش والتعاون ومداواة جراح الماضي.

إن ما حدث في بني انصار ليس مجرد محطة عابرة، بل هو لبنة أساسية في بناء علاقة جديدة بين مليلية وعمقها المغربي. هو نسمة أمل في نموذج تعايش يضمن الأمن والكرامة والمصالح المشتركة، في مواجهة الجغرافيا المغلقة والخطابات السياسية المتجاوزة.

The post زيارة جمعية أندلسية الألم إلى بني انصار … كسر الصمت ورسم مسار دبلوماسية شعبية عابرة للحدود appeared first on RifDia.Com.

Post a Comment

أحدث أقدم