الجمعة 16 ماي
2025
لا يبدو أن
التوتر القائم بين الجزائر وفرنسا يقتصر على المناكفات الدبلوماسية والتصريحات
المتشنجة، بل بدأ يمتد إلى ميادين أخرى أشد خطورة، بعدما أغرقت عصابات تهريب
جزائرية السوق الفرنسية بكميات هائلة من شوكولاتة «المرجان» ومنتجات غذائية أخرى،
محظورة بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي لاحتوائها على مواد مضرة بالصحة. هل يتعلق
الأمر بشن الجزائر لـ«حرب فتاكة» تستهدف صحة المواطنين الفرنسيين؟
أعلنت الجمارك
الفرنسية التابعة لميناء مرسيليا عن حجز شحنة ضخمة تضم أزيد من 15 ألف علبة من
شوكولاتة «المرجان» الجزائرية، إلى جانب آلاف الطرود من الحلويات والبسكويت، كلها
تحتوي على مواد ممنوعة، على رأسها مسحوق الحليب الذي تُمنع الجزائر من تصدير
المنتجات المشتقة منه إلى الاتحاد الأوروبي.
تهريب منظم
وفق وسائل إعلام
فرنسية، تم اكتشاف الشحنة داخل حاوية ضخمة تحتوي على 18 منصة تحميل من شوكولاتة
«المرجان» وعشرات الطرود من النكهات الخاصة بالحلويات والبسكويت، ما يناهز 20 طنا
من المنتجات التي دخلت التراب الفرنسي بطريقة غير قانونية.
ورغم الحظر
الرسمي المفروض على استيراد «المرجان» منذ شتنبر 2024، فإن هذه المنتجات لا تزال
تغزو الأسواق الموازية، وخصوصا في مدينة مرسيليا التي تحتضن جالية جزائرية كبيرة،
ما يجعلها نقطة عبور مثالية لعمليات التهريب الممنهجة.
ويُعرض منتج
«المرجان» في السوق السوداء بأسعار خيالية تصل إلى 30 يورو للعلبة الواحدة، بعدما
كانت تُباع في السابق بنحو 8 يوروهات فقط، ما يكشف عن رواج كبير يجعل منها «صفقة
مربحة» لتجار السوق السوداء، ويدفع السلطات الفرنسية إلى التعامل مع هذه العمليات
بجدية متزايدة.
منتجات مضرة
تشن الجزائر عبر
عصاباتها التي تتقن التهريب وتنفيذ المهام القذرة في الخارج عملية إغراق الأسواق
الفرنسية بأطنان من المنتجات الممنوعة.
التحاليل التي
أجرتها الجهات الفرنسية المختصة كشفت أن المنتجات المحجوزة تحتوي على مشتقات حليب،
رغم أن هذه المادة نادرة في السوق الجزائرية ويعاني المواطنون من نقصها المزمن، ما
يثير الشكوك حول مصادر تلك المكونات.فكيف لدولة تعتمد في معظم استهلاكها على
واردات الحليب أن تنتج آلاف الأطنان من منتجات تدّعي أنها مشتقة منه؟
الجواب، حسب
مؤثرين جزائريين مثل شوقي بن زهرة، جاء جازما بأن الأمر يتعلق بمواد قد تكون، في
أفضل الأحوال، مستوردة ومجهولة الجودة، أو، في أسوأها، مواد مصنعة بطرق غير شرعية
وغير صحية داخل مصانع لا تخضع لأية مراقبة، ما يؤكد تورط مصانع غير شرعية في إنتاج
مواد غذائية موجهة أساسا للتصدير غير المشروع.
التهريب كأداة
ضغط؟
التهريب ليس
معزولا عن السياق السياسي المتوتر بين الجزائر وباريس، والذي بلغ ذروته مؤخرا
بتبادل عمليات طرد دبلوماسيين من كلا البلدين. فمع تصاعد الخلافات حول ملفات
الهجرة، والذاكرة التاريخية.. بات نظام العسكر الجزائري يبحث عن أدوات جديدة
للمناورة وممارسة الضغط.
وفي هذا السياق،
يبدو أن «النظام» لا يتردد في اللجوء إلى أساليب «غير تقليدية» لإزعاج باريس، بما
في ذلك إغراق السوق الفرنسية بمنتجات غذائية مغشوشة، عبر قنوات تهريب يصعب تتبعها،
بل وتجعل من مقاومة هذه الظاهرة معركة شبه مستحيلة.
ويرى مراقبون أن
إغراق السوق الفرنسية بمنتجات جزائرية محظورة قد يكون جزءا من تكتيك سياسي غير
مباشر لمضايقة فرنسا، من خلال استعمال «التهريب المنظم» كسلاح ضغط، لا سيما وأن
هوية الجهة المستوردة لا تزال مجهولة، وسط صمت رسمي من الجانب الجزائري.
كما لا يمكن فصل
ما يحدث عن ظاهرة أوسع: الجزائر، التي تعيش أزمات داخلية اقتصادية وسياسية
متلاحقة، اختارت نقل خلافاتها إلى الخارج بأساليب غير تقليدية، من التهديد
بالمهاجرين إلى تصدير «المنتجات الشعبية» الممنوعة صحيا، في محاولة لاستثمار
التعاطف الشعبي داخل الجالية الجزائرية بفرنسا كوسيلة ضغط على صانع القرار
الفرنسي.
من يدفع الثمن؟
في نهاية
المطاف، لا يدفع ثمن هذا النزاع غير المعلن سوى المستهلك من الجالية الجزائرية،
حيث يتم تعريض صحته للخطر تحت غطاء «النوستالجيا الغذائية» ومشاعر الانتماء، ناهيك
عن استغلال أفراد الجالية في بعث الفوضى وسط الأسواق الموازية التي تشكّل بيئة
خصبة لغسل الأموال والتهرب الضريبي.
أما في الجانب
الجزائري، فإن استمرار هذا النموذج القائم على التهريب والتغاضي عن الرقابة
الغذائية، يعكس فشلا في بناء قطاع إنتاجي قادر على التصدير المشروع والارتقاء
بجودة المنتجات. فبدل الاستثمار في الجودة وتحسين شروط التنافسية، يكرّس نظام
العسكر منطق تصدير الأزمات والاحتيال الغذائي، ضمن سياسات قصيرة النظر تهدد صحة
المواطن وأمنه الاقتصادي.
إرسال تعليق