الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالقنيطرة: الذكاء الاصطناعي أداة لتحديث العدالة لكنه يفرض تحديات قانونية وأمنية معقدة

في إطار فعاليات الأبواب المفتوحة التي تنظمها المديرية العامة للأمن الوطني، ألقى الدكتور عبد الكريم الشافعي الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالقنيطرة في محفل علمي متميز، مداخلة علمية رصينة تحت عنوان: “الممارسة القانونية في مجال زجر الاستعمال الإجرامي لتقنيات الذكاء الاصطناعي”، وهو موضوع راهني يفرض نفسه بقوة على الساحة العلمية والأكاديمية، وكذا في السياسات العمومية واستراتيجيات الإصلاح الأمني والقضائي.

وقد عبر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالقنيطرة في مستهل كلمته، عن شكره العميق للمديرية العامة للأمن الوطني على دعوتها الكريمة، وللجنة المنظمة على حسن اختيار موضوعات الحدث وجودة الأساتذة المحاضرين.

وأكد في مستهل حديثه أن موضوع الذكاء الاصطناعي بات أداة لا غنى عنها في مسار التحديث، بما يتيحه من إمكانيات تقنية هائلة تتجاوز العديد من المعيقات البشرية في المنظومة القضائية والأمنية، لكنه في الوقت ذاته يطرح تحديات حقيقية تستدعي التعامل الحازم والجاد مع الاستعمالات غير القانونية.

محاور المداخلة:

1. الإطار المفاهيمي للذكاء الاصطناعي 2. أهمية الذكاء الاصطناعي للبشرية 3. مخاطر الاستعمال غير القانوني للذكاء الاصطناعي 4. القوانين المعيارية لتنظيم استعمال الذكاء الاصطناعي والتجارب الدولية المرتبطة بزجر الاستعمال الإجرامي 5. التحديات والرهانات 6. توصيات ومقترحات

وأكد الدكتور عبد الكريم الشافعي أن الحاجة إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي تتزايد بوتيرة متسارعة لتصبح جزءًا من حياتنا اليومية، فقد أصبح بإمكان الآلات المزودة بهذه التكنولوجيا لعب الشطرنج، وقراءة خط اليد، وغيرها من المهام التي كانت حكراً على الإنسان.

ولفت المسؤول القضائي، إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على المجالات الصناعية والتقنية، بل يطال الصحة، والتعليم، والأمن، والقضاء، وخاصة الأبحاث الجنائية، مما يمثل ثورة مفاهيمية في اتخاذ القرار القانوني وتأثيرها على مبادئ القانون التقليدية.

كما أكد أن الذكاء الاصطناعي يستخدم لمكافحة الجريمة المنظمة والجرائم عموماً، عبر دعم أجهزة إنفاذ القانون في تحليل البيانات والتنبؤ بالجرائم وتتبعها، وهو ما يلزم كافة الفاعلين في مجال العدالة الجنائية بالانخراط الفعلي.

أولاً: الإطار المفاهيمي للذكاء الاصطناعي

عرّف الدكتور الشافعي الذكاء الاصطناعي استناداً إلى تعريف جون مكارثي بأنه “علم وهندسة صنع آلات ذكية، أي أنظمة قادرة على إظهار سلوك ذكي من خلال محاكاة القدرات الذهنية البشرية مثل التعلم، والاستنتاج، والتفاعل مع أوضاع لم تُبرمج مسبقًا”.

وأوضح الفرق الجوهري بين الذكاء الاصطناعي والأتمتة، حيث أن الأتمتة تعني تنفيذ مهام تلقائياً وفق تعليمات محددة مسبقاً دون قدرة على التعلم، في حين يتميز الذكاء الاصطناعي بقدرته على التعامل مع مواقف غير متوقعة وتطوير الأداء باستخدام خوارزميات التعلم الذاتي.

ثانياً: أهمية الذكاء الاصطناعي بالنسبة للبشرية

استعرض الدكتور الشافعي أهمية الذكاء الاصطناعي عبر عدة محاور منها تحسين الكفاءة وتقليل الأخطاء البشرية، تحليل البيانات الضخمة بسرعة ودقة، تقديم حلول مبتكرة لمشاكل معقدة في الصحة والتعليم والعدالة والأمن.

وفي المجال الأمني، أبرز دوره في التنبؤ بالجرائم، والمراقبة الذكية، ودعم التحقيقات الجنائية، إلى جانب الكشف السريع والدقيق عن الهجمات السيبرانية.

ثالثاً: مخاطر الاستعمال غير القانوني للذكاء الاصطناعي

أشار الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بأكادير إلى أبرز المخاطر منها:

1. انتهاك الخصوصية باستخدام تقنيات التعرف على الوجوه دون إذن

2. التلاعب بالمعلومات عبر تقنيات التزييف العميق (Deepfake)

3. تعزيز الهجمات السيبرانية بأدوات ذكية

4. التمييز والتحيز في القرارات الآلية بسبب بيانات منحازة

5. تهديد الأمن القومي عبر استخدام الذكاء الاصطناعي في الأسلحة المستقلة

وأضاف أن هذه المخاطر قد تشكل جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي، وأن الجهود الدولية تتكاثف لمواجهتها.

رابعاً: القوانين المعيارية لتنظيم استعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي

تطرق الدكتور الشافعي، إلى أبرز الوثائق الدولية التي تنظم الذكاء الاصطناعي وتحدد مبادئه الأخلاقية والقانونية، مثل توصية اليونسكو لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي 2021، اتفاقية مجلس أوروبا 2024، وقانون الاتحاد الأوروبي (EU AI Act)، إلى جانب استراتيجية الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

كما تناول البيان الختامي لقمة باريس 2025 التي أكدت على أهمية الحوكمة الدولية للتقنيات المتسارعة، مشيراً إلى غياب الإجماع الدولي الكامل حول الموضوع.

على الصعيد الوطني، ذكر وجود إطار تنظيمي لحماية الحقوق الرقمية بالمغرب، لكنه غير كافٍ لزجر الاستعمالات الإجرامية للذكاء الاصطناعي.

خامساً: التحديات والرهانات

أبرز الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالقنطيرة التحديات:

غياب نصوص قانونية متكاملة لتنظيم الاستعمالات غير الأخلاقية

تصاعد الهجمات الإلكترونية

صعوبة إثبات النية الإجرامية بسبب تعدد المتدخلين

نقص التنسيق الدولي الفعال في زجر الاستعمال الإجرامي

أما الرهانات، فهي:

إيجاد حلول قانونية لحماية حقوق الإنسان والخصوصية الرقمية

التوازن بين الابتكار والتنظيم

تعزيز الأمن القانوني والرقمي

تطوير المنظومة القضائية لفهم الذكاء الاصطناعي

بناء ثقافة رقمية وقانونية لدى المواطنين

سادساً: التوصيات والمقترحات

اقترح الدكتور الشافعي إنشاء وكالة وطنية للذكاء الاصطناعي تهدف إلى:

1. وضع منظومة تشريعية وطنية متكاملة

2. تشجيع الاستعمال الآمن والأخلاقي

3. تطوير تكنولوجيا لرصد الاستعمالات المنحرفة

4. تكوين العنصر البشري بشكل مستمر في المجال

5. تعزيز التعاون الدولي لمحاربة الاستعمالات الإجرامية

6. إرساء تأمين إجباري على حوادث الذكاء الاصطناعي مع وضع قواعد خاصة بالمسؤولية المدنية والجنائية

7. ضمان الحكامة الوطنية للسيادة الرقمية وتأمين سلامة المعطيات عبر مراقبة التطبيقات والمشاريع المزمع تنزيلها

في الختام، عبر الدكتور عبد الكريم الشافعي عن أمله في استمرار تنظيم مثل هذه اللقاءات العلمية لنشر الوعي الجماعي حول الجوانب المضيئة والمظلمة للذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن هذا الوعي هو السبيل الأساسي للتصدي للاستعمالات المنحرفة وضمان استخدامات آمنة لهذا المجال الواعد.

 

The post الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالقنيطرة: الذكاء الاصطناعي أداة لتحديث العدالة لكنه يفرض تحديات قانونية وأمنية معقدة first appeared on صباح أكادير.

Post a Comment

أحدث أقدم