الجاسوس البريطاني الذي هاجم الخطابي: فضح أخطر أسرار حرب الريف؟

أريفينو.نت/خاص

صدر حديثاً عن منشورات “مركز جسور للدراسات التاريخية والاجتماعية” عمل تاريخي بالغ الأهمية، يتمثل في الترجمة العربية لكتاب “فرنسا وإسبانيا وحرب الريف” للكاتب والصحافي الإنجليزي الشهير والتر هاريس. تأتي هذه الترجمة، التي أنجزها الباحث والمترجم القدير حسن الزكري، بعد قرابة قرن كامل على صدور الطبعة الأصلية للكتاب باللغة الإنجليزية، لتتيح للقارئ العربي فرصة نادرة للغوص في تفاصيل حقبة مفصلية من تاريخ المغرب.

شهادة أجنبي من قلب المعارك: هاريس يفكك ألغاز حرب الريف
يُعتبر هذا الكتاب، المكون من ثلاثة عشر فصلاً، شهادة حية ومباشرة من عين مراقب أجنبي كان خبيراً بدهاليز السياسة المغربية وأوضاعها الداخلية. يستعرض هاريس في فصوله الأولى بذور الصراع الأوروبي حول المغرب قبيل فرض الحماية، مركزاً بشكل خاص على “الاتفاق الودي” بين فرنسا وإنجلترا عام 1904، الذي يراه المؤلف أساس كل الترتيبات اللاحقة المتعلقة بمناطق النفوذ في المملكة. ينتقل بعدها لتقديم صورة بانورامية لمنطقة الريف، بجغرافيتها وتاريخها وخصائص سكانها وتقاليدهم وعلاقتهم بالسلطة.

من أنوال إلى إنزال الحسيمة: فصول المواجهة الدامية
يتعمق الكتاب في تفاصيل التدخل الإسباني في شمال المغرب، وتحديداً في الريف، مسلطاً الضوء على المصاعب الجمة التي واجهها الإسبان، والتي تُوجت بكارثة أنوال على يد القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي وتداعياتها المدوية. كما يتناول هاريس منطقة جبالة، وطبائع أهلها، والعلاقة الملتبسة التي جمعتهم بالإسبان وبزعيمهم الشهير أحمد الريسوني، والتي تأرجحت بين المواجهة والمهادنة. ولا يغفل الكتاب حصار شفشاون من قِبل الريفيين، والجهود الإسبانية المضنية لفك الحصار والانسحاب منها، وما تكبدوه من خسائر فادحة، وصولاً إلى عملية إنزال القوات الإسبانية، بقيادة الجنرالين بريمو دي ريبيرا وخوسي سانخورخو وبدعم فرنسي، بساحل الحسيمة في 8 شتنبر 1925، والتي اعتُبرت أول عملية إنزال بحري من نوعها في التاريخ العسكري، بهدف حسم الحرب.

ليوطي والفرنسيون: وجه آخر للاستعمار والمواجهة
يخصص هاريس جزءاً من كتابه لبدايات التدخل الفرنسي، وتوقيع معاهدة الحماية عام 1912، والدور المحوري للمارشال ليوطي كأول مقيم عام في تنفيذ السياسة الاستعمارية الفرنسية وتحديث هياكل الدولة المغربية. كما يوثق الكتاب توغل الفرنسيين داخل البلاد واصطدامهم بالقبائل الريفية، مما أدى إلى مواجهة عسكرية طاحنة عند نهر ورغة بين ربيع وصيف 1925، انتهت بانسحاب الفرنسيين من المنطقة. ويتطرق الكتاب أيضاً إلى المفاوضات الشاقة بين الإسبان والفرنسيين من جهة والحكومة الريفية من جهة أخرى، وفشل مؤتمر وجدة بسبب رفض الريفيين للشروط المجحفة، وما تلا ذلك من تحالف استعماري أفضى إلى الهجوم الكاسح على معاقل المقاومة في الريف، والاستيلاء على تاركيست، معقل الخطابي، واستسلام الأخير ونفيه.

نظرة معاصرة وتحيزات مؤرخ: لماذا “شرير” الكتاب هو الخطابي؟
نُشر كتاب “فرنسا وإسبانيا وحرب الريف” عام 1927، أي بعد عام واحد فقط من انتهاء الحرب، مما يمنحه قيمة وثائقية فريدة كونه يقدم رؤية معاصرة للأحداث. وتكمن أهميته الإضافية في العلاقات الشخصية التي ربطت هاريس بأطراف النزاع، ولقاءاته ومراسلاته معهم، وخاصة مع الزعيم الخطابي، والتي ضمن صوراً لبعضها في طبعته الأصلية. إلا أن هذا الكتاب، الذي يُعد آخر ما كتبه هاريس عن المغرب، يختلف في طبيعته عن أعماله السابقة مثل “المغرب الذي كان” و”أرض سلطان إفريقي”. فقد اختفى فيه الأسلوب الهزلي ليحل محله سرد تاريخي وتحليلي جاد. المثير للجدل أن هاريس، في هذا الكتاب، يصور محمد بن عبد الكريم الخطابي كـ”شرير” القصة، مدفوعاً، حسب زعمه، برغبة شخصية بحتة في الانتقام من إسبانيا بعد سجنه في مليلية. ويجادل بأن مستقبل الريف كان أفضل مع “القوة التقدمية والحديثة” للحماية الفرنسية أو الإسبانية، متجاهلاً، كما يبدو، الإصلاحات التحديثية التي أدخلها الخطابي في الريف والتي مهدت للحركة الوطنية. ورغم جدية الكتاب، تظل تحيزات هاريس وافتراضاته حول تفوق الحضارة الأوروبية واضحة.

والتر هاريس: الصحفي، الرحالة، وشاهد العصر
ولد والتر هاريس في لندن عام 1866، وبدأ رحلاته في سن مبكرة قبل أن يستقر في المغرب عام 1887، حيث عمل مراسلاً لصحيفة “التايمز” لعقود. قضى هاريس معظم حياته في طنجة، وحظي بمكانة مؤثرة في الأوساط الغربية كشاهد عيان على مغرب ما قبل الاستعمار وفي أثنائه. كان مقرباً من آخر سلاطين المغرب المستقل، وفي الوقت ذاته على علاقة وطيدة بالريسوني، كما شارك في الاتصالات خلال المراحل الأخيرة من حرب الريف، وارتبط بعلاقات ودية مع المارشال ليوطي ومسؤولين بريطانيين. توفي هاريس عام 1933 ودُفن في طنجة، تاركاً وراءه إرثاً من الكتابات التي لا تزال تثير النقاش والبحث. وتُعد هذه الترجمة الجديدة لحسن الزكري، وهي رابع عمل له يترجمه لهاريس، إضافة قيمة للمكتبة العربية وللباحثين والمهتمين بتاريخ المغرب المعاصر.

The post الجاسوس البريطاني الذي هاجم الخطابي: فضح أخطر أسرار حرب الريف؟ appeared first on أريفينو.نت.

Post a Comment

أحدث أقدم