الناظور على أعتاب تحول تاريخي: هل يكرر ميناء غرب المتوسط “معجزة” طنجة و كوارثها؟

أريفينو خاص:حسن المرابط
مع اقتراب موعد التشغيل الأولي لمشروع ميناء الناظور غرب المتوسط، المرتقب حوالي عام 2026، تتجه الأنظار بقوة نحو إقليم الناظور ومنطقة الشرق عمومًا. التساؤل الأبرز الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل يستطيع هذا المشروع العملاق أن يُحدث في الناظور تحولاً اقتصادياً واجتماعياً جذرياً، مماثلاً للذي أحدثه ميناء طنجة المتوسط في مدينة البوغاز والمناطق المجاورة لها؟ إنها مقارنة مشروعة تستند إلى تجربة رائدة غيرت وجه شمال المغرب، لكنها حملت في طياتها تحديات اجتماعية تحتاج الناظور إلى استباقها.


نموذج طنجة: قصة نجاح مُلهمة… وتحديات خفية
لم يكن ميناء طنجة المتوسط مجرد بنية تحتية ضخمة عند إطلاقه عام 2007، بل كان قاطرة تنمية حقيقية. تشير الإحصائيات إلى أن الميناء والمناطق الصناعية المرتبطة به استقطبت استثمارات بمليارات الدولارات، وساهمت في خلق ما يزيد عن 90 ألف فرصة عمل. تحولت طنجة إلى قطب صناعي ولوجستي عالمي، لكن النمو السريع جاء مصحوباً بظواهر اجتماعية سلبية أقلقت الساكنة والمهتمين. فمع تدفق العمالة الوافدة واتساع الفوارق الطبقية، انتشرت مظاهر مثل الدعارة بشكل لافت في أحياء محددة، بالإضافة إلى ارتفاع نسب الجريمة والتحرش، واتساع نطاق السكن غير اللائق. هذه التحديات كشفت عن الحاجة إلى سياسات تواكب النمو الاقتصادي بحزم اجتماعي وثقافي.


الناظور غرب المتوسط: طموحات عملاقة وإمكانات واعدة
يُبنى ميناء الناظور غرب المتوسط بطموحات لا تقل ضخامة. يُخطط له أن يكون ميناءً محورياً بقدرة استيعابية أولية تصل إلى ملايين الوحدات المكافئة من الحاويات، ومنصة رئيسية للطاقة. موقعه الاستراتيجي وقربه من أوروبا يجعله مؤهلاً لجذب استثمارات كبرى في الصناعات التحويلية والخدمات. إلا أن حجم الفرص يتزامن مع تساؤلات حول قدرة الإقليم ذي الطابع القروي نسبياً على استيعاب صدمة التمدن السريع دون تكرار سيناريوهات طنجة المثيرة للجدل.


الأصداء الاقتصادية والاجتماعية: بين الوعد والتحدي
يُتوقع أن يجذب الميناء استثمارات ضخمة ويخلق آلاف الفرص العمل، مما قد يُحدث نقلة في النسيج الاقتصادي للإقليم. اجتماعياً، قد تشهد الناظور دينامية ديموغرافية وعمرانية متسارعة، مع تحسن في الخدمات. لكن تجربة طنجة تُذكرنا بأن النمو غير المدروس قد يؤدي إلى تفاقم الفقر في أحياء بعينها، وارتفاع معدلات الهجرة الداخلية، مما يزيد الضغط على البنية التحتية ويُغذي ظواهر مثل الاستغلال الجنسي والعمل غير المهيكل. ففي طنجة، أدى تدفق العمال من مناطق فقيرة إلى توسع “أحياء الصفيح” وانتشار الدعارة بالقرب من المناطق الصناعية، وهو ما قد ينتقل إلى الناظور دون سياسات وقائية.


دروس طنجة: كيف تتجنب الناظور “الوجه القبيح” للتنمية؟
التحدي الأكبر للناظور ليس في جذب الاستثمارات، بل في إدارة التحول الاجتماعي والثقافي المصاحب. فكما كشفت طنجة، فإن النمو الاقتصادي السريع دون استثمار موازٍ في البنية الاجتماعية (التعليم، الصحة، الإسكان الاجتماعي) قد يُعمق الفوارق. تحتاج الناظور إلى:

  1. تأهيل اليد العاملة محلياً لتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة.
  2. تطوير برامج توعوية لمكافحة الاستغلال الجنسي وتشجيع الإبلاغ عنه.
  3. تعزيز المرافق العامة وتوفير سكن لائق لتجنب تكرار أحياء الصفيح.
  4. شراكة مع المجتمع المدني لمراقبة الظواهر الاجتماعية السلبية والتدخل السريع.

يقف إقليم الناظور على عتبة تحول تاريخي، يحمل وعوداً اقتصادية هائلة، لكنه ليس بمنأى عن المخاطر الاجتماعية التي رافقت تجربة طنجة. النجاح لن يُقاس بحجم الاستثمارات فقط، بل بقدرة السلطات والمجتمع على تحويل الثروة إلى تنمية مستدامة تُحسن جودة الحياة دون التضحية بالنسيج الاجتماعي. السنوات القادمة ستكون اختباراً لقدرة المغرب على تعلم دروس الماضي، وبناء نموذج تنموي متوازن يجمع بين الازدهار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.

The post الناظور على أعتاب تحول تاريخي: هل يكرر ميناء غرب المتوسط “معجزة” طنجة و كوارثها؟ appeared first on أريفينو.نت.

Post a Comment

أحدث أقدم