المغرب360 : محمد غفغوف
صدر حديثًا عن منشورات “النورس”، التي يشرف عليها الكاتب والإعلامي عبد العزيز كوكاس، عمل روائي جديد موسوم بعنوان “نفس الله”، للناشط الحقوقي والمهتم بالعدالة الانتقالية والذاكرة المشتركة، عبد السلام بوطيب. وتقع الرواية في 195 صفحة من القطع المتوسط، وتأتي في حلة أنيقة تعكس عمقها الجمالي والفكري، لتفتح أفقًا جديدًا في السرد المغربي، خارج قوالب السيرة الذاتية واستعادة جراح الذاكرة.
تدور الرواية حول “أحمد”، المؤرخ والخبير في العدالة الانتقالية، الذي يحمل الجنسية الهولندية، ويجد نفسه فجأة دون ذاكرة، إثر حادث غامض يفتح الباب على مصراعيه لأسئلة الوجود والهوية والماضي المنكسر، وبين رغبته في استعادة ذاكرته وبين مقاومة زوجته “لويزة” لهذا الاسترجاع خوفًا من زلزال الماضي، تتفجر أحداث الرواية التي تنسج مصائر معقدة لشخصيات متعددة، في طليعتها “جلجل”، حارس اللغة والهوية، الذي يخوض بدوره رحلة بحث صوفية عن الأم، وعن المعنى في متاهات تشبه تلك التي رسمها بورخيس ذات سردٍ ملغز.
تتميز “نفس الله” بسردها المتعدد الأصوات، على طريقة ميخائيل باختين، حيث تتقاطع الذوات وتتصادم الهويات، لنشهد تحولات عميقة في الشخصيات: من أحمد الذي يتحول من ضحية إلى خبير، إلى زوجته التي تتقمص هوية جديدة باسم “أنجيلا”، مرورا بجلجل الذي يتخلى عن صلابته ليصير كائنًا هشًا يبحث عن ذاته. هذا التعدد لا يخدم التشويق فقط، بل يجعل من الرواية مرآة تعكس التحولات القيمية والثقافية في مجتمع مغربي يعيش زمن “الانتقال المؤجل”.
ويحمل عنوان الرواية “نفس الله” بُعدًا صوفيًا ورمزيًا يخرق مألوف المحكي المغربي، إذ لا يكتفي باستحضار جراح الماضي، بل يضع الذاكرة الفردية والجماعية في قلب تجربة مختبرية للمصالحة. هي ذاكرة تشتبك مع المنفى، خصوصًا في الفضاء الهولندي الذي يحتضن جزءًا كبيرًا من ساكنة الريف المغربي، ما يجعل من الرواية أيضًا جسرًا سرديًا بين هنا وهناك، بين ضفتين تتقاطع فيهما الأسئلة الوجودية مع المآسي الجماعية.
ما يميز هذا العمل أنه لا يُسقط التجربة الحقوقية لعبد السلام بوطيب إسقاطًا مباشرا على السرد، بل يحولها إلى مادة فنية عميقة، تتسلل عبر الشخصيات والأحداث لتطرح أسئلة دقيقة حول المصالحة، التعايش، الألم، والهوية. الرواية إذًا ليست وثيقة تاريخية، بل عمل أدبي بمواصفات عالية، يُزاوج بين فنية الحكي وعمق التفكير السياسي والفلسفي.
“نفس الله” ليست رواية استرجاعية تنقّب في الجراح، بل محاولة لبناء أفق جديد من خلال مساءلة الماضي، وإعادة تركيب الهوية في زمن متحول، يربك الأفراد والمجتمعات على حد سواء. عبر سرد محكم ولغة آسرة، يقودنا الكاتب إلى مساحات منفلتة من التصنيف، حيث تصبح الرواية أداة لفهم أنفسنا، أكثر منها رواية لفهم الآخرين.
وفي تقديمه للرواية، يكتب عبد السلام بوطيب
> “تدور أحداث هذه الرواية حول أحمد، المؤرِّخ والخبير في حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، الحامل للجنسية الهولندية، الذي فقد ذاكرته وهويته في ظروف غامضة تثير العديد من التساؤلات، كما تسلط الرواية الضوء على قصة أخواته الأربع، إلى جانب نساء أخريات يعشن في صمت مريب، يشبه ذلك الصمت الثقيل الذي يطغى على انتظار النساء عودة عزيز الغائب قسرًا”.
هذه الشهادة تختصر بذكاء ما تطرحه الرواية: صراع ضد النسيان، واستعادة للهوية عبر الألم، في عالم تتقاطع فيه السياسة والذاكرة والروح.
إرسال تعليق