في تطور لافت على الساحة الدبلوماسية الأوروبية، التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الثلاثاء الماضي، برئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في العاصمة روما، في لقاء اتسم بأجواء إيجابية وتوج بإصدار بيان مشترك، ما يعكس تقاربا سياسيا متزايدا بين باريس وروما، في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر بين فرنسا والنظام الجزائري.
اللقاء، الذي لم يكن مجرد محطة بروتوكولية، أرسل إشارات واضحة حول إعادة ترتيب التحالفات داخل الفضاء الأوروبي، وهو ما اعتُبر ضربة لمساعي الجزائر التي راهنت، في الأشهر الأخيرة، على تعميق شراكتها مع إيطاليا، بهدف تعزيز موقعها داخل أوروبا وتعويض البرود الذي طبع علاقاتها مع باريس، خاصة بعد الموقف الفرنسي الداعم لمغربية الصحراء.
ورغم محاولات وسائل إعلام جزائرية التقليل من أهمية هذا التقارب، عبر التركيز على الخلافات السابقة بين ميلوني وماكرون، واعتبار اللقاء إجراءً دبلوماسياً لا أكثر، فإن البيان المشترك الصادر عقب القمة أكد وجود “توافق قوي” بين البلدين بشأن قضايا محورية، أبرزها تعزيز السيادة الأوروبية ودعم التنافسية الاقتصادية، مع الإعلان عن عقد قمة ثنائية مطلع سنة 2026.
ويرى مراقبون أن هذا التقارب الفرنسي-الإيطالي يعمّق عزلة الرهان الجزائري على إعادة رسم ميزان القوى داخل الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعدما حاولت الجزائر الدفع بإيطاليا كحليف استراتيجي أول داخل القارة العجوز، في مواجهة النفوذ الفرنسي المتراجع. لكن المعطيات الجديدة تثبت أن باريس ما تزال تحتفظ بدورها المحوري داخل منظومة الاتحاد، وأن ميلوني لا تسير في اتجاه القطيعة مع فرنسا، بل نحو مزيد من التنسيق.
ويأتي هذا التطور في سياق إقليمي متغير، يعيد رسم العلاقات بين ضفتي المتوسط ويضع النظام الجزائري أمام تحديات جديدة تتعلق بتموضعه الاستراتيجي داخل أوروبا، لا سيما في ظل تزايد الدعم الدولي لموقف المغرب من قضية الصحراء، وتحول أولويات العواصم الأوروبية نحو تعزيز التكتل الداخلي لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية.
وعليه، فإن رمزية “القبلة الدبلوماسية” التي ختم بها ماكرون لقاءه مع ميلوني لم تمر مرور الكرام في الجزائر، بل بدت كمؤشر صريح على اصطفاف سياسي يعيد رسم خارطة المصالح الإقليمية، ويؤكد تراجع الرهانات الأحادية التي بنت عليها الجزائر استراتيجيتها الدبلوماسية في المرحلة الأخيرة.
The post قبلة ماكرون لميلوني تربك تبون first appeared on صباح أكادير.
إرسال تعليق