العقوبات البديلة بالمغرب: آمال إصلاحية وتحديات التطبيق في ظل التحول القضائي.

https://ift.tt/vD5Ip4A

 

اعتبارًا من شهر غشت 2025 سيبدأ تطبيق القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة في المغرب، وهو ما يمثل نقلة نوعية طال انتظارها في الأوساط القانونية والحقوقية.
و يهدف هذا القانون، في جوهره، إلى تخفيف الضغط المتزايد على المؤسسات السجنية، الذي تفاقم بسبب الارتفاع المستمر في معدلات الاعتقال الاحتياطي، ويأتي ضمن مقاربة شاملة تستهدف الحد من الطابع الزجري للعقوبات الجنائية وتعزيز فلسفة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم.
فعلى المستوى الحقوقي، يُنظر إلى هذا التشريع على أنه خطوة محورية نحو تحديث المنظومة القضائية المغربية وتحقيق التوازن الدقيق بين ضرورة تطبيق القانون ومراعاة المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان. فالبدائل العقابية التي يقدمها القانون الجديد تعد تطوراً إيجابياً في مسار العدالة الجنائية، إذ توفر للمحاكم مرونة أكبر في التعامل مع الجرائم غير العنيفة أو البسيطة. و هذا من شأنه أن يسهم بشكل فعال في تقليل أعداد النزلاء، لا سيما في الحالات التي قد لا تستدعي بالضرورة عقوبة سالبة للحرية. إضافة إلى ذلك، توفر هذه العقوبات فرصاً ثمينة لإعادة تأهيل الأفراد ضمن نسيج المجتمع، بدلاً من عزلهم في بيئات قد تؤثر سلباً على مستقبلهم.

أكيد أن التنفيذ الفعال للعقوبات البديلة يحمل في طياته إمكانية تخفيف العبء عن السجون، خصوصاً في ظل الانتشار المفرط للاعتقال الاحتياطي الذي غالباً ما يرتبط بمدد انتظار طويلة قبل المحاكمة. علاوة على ذلك، سيوفر هذا النهج موارد مالية كبيرة على إدارة السجون، كانت تخصص للمأكل والمشرب والتطبيب والحراسة ، مما يسمح لها بالتركيز بشكل أكبر على فئة المعتقلين الذين يشكلون خطراً حقيقياً على المجتمع.
ومع ذلك، لا تخلو هذه المبادرة التشريعية من تحديات وهواجس تثيرها الهيئات الحقوقية. فمن الضروري ضمان فعالية آليات المراقبة، سواء تعلق الأمر بالسوار الإلكتروني أو الخدمة المجتمعية. كما تبرز مخاوف جدية بشأن نزاهة وشفافية الأحكام الصادرة في إطار هذه العقوبات . لذا، فإن تحقيق الأثر الإيجابي المرجو من تخفيف الاكتظاظ السجني مرهون بتنفيذ دقيق وفعال يضمن العدالة للجميع دون تمييز. ويتطلب ذلك وضع بنية مؤسساتية قوية للمواكبة والتقييم، بهدف رصد أوجه القصور واستدراكها في الوقت المناسب، لتجنب تحولها إلى ثغرات يمكن استغلالها.

يرى العديد من الفعاليات القانونية أن هذا القانون يمثل استجابة تشريعية لأزمة بنيوية عميقة تعصف بالمنظومة السجنية والترسانة الزجرية، ويُعد تحولاً استراتيجياً من منطق العقاب المحض إلى منطق الإصلاح والإدماج. لكن نجاح هذا الورش الجديد يبقى رهيناً بعدة محددات، أبرزها ضرورة تطبيق العدالة الانتقائية الإيجابية، وتوفير البنية التحتية اللازمة للمؤسسات المعنية بتنفيذ العقوبات، بالإضافة إلى المواكبة المجتمعية لهذا التحول الهام.
وفي سياق أزمة الاكتظاظ التي تعاني منها المؤسسات السجنية، لا سيما نتيجة التوظيف المفرط للاعتقال الاحتياطي، يؤكد المتتبعون للشأن القضائي والحقوقي أن قانون العقوبات البديلة هو جزء من حزمة إصلاحات أوسع تتصدرها إجراءات لضبط وتدبير الاعتقال، وتسريع وتيرة المحاكمات، وتطوير بدائل فعالة لإعادة الإدماج.
ودون شك أن القانون المذكور، في حال تسلح القضاة بالتكوين القانوني الكافي والاجتهاد القضائي الموجه وتوجهات السياسة الجنائية الرسمية، سيسهم بشكل كبير في تخفيف الضغط على السجون .

أما فيما يتعلق بالعقبات المحتملة التي قد تعترض سبيل هذا القانون، فيشار إلى وجود تحديات مجتمعية ومادية قد تعيق تنزيله الفعلي. يأتي في مقدمتها الثقافة القضائية المحافظة التي قد تنظر إلى هذه العقوبات كتهديد لمبدأ الردع العام، مما قد يدفع بعض القضاة إلى التمسك بالحلول التقليدية بدلاً من تفعيل البدائل. يضاف إلى ذلك غياب البنية التحتية الضرورية لتطبيق هذه العقوبات، وضعف آليات المراقبة القضائية، فضلاً عن التفاوتات المجالية والطبقية التي قد تؤثر على مدى تطبيق القانون وإنفاذه بشكل عادل ومتساوٍ .

ومع كل هذه التحديات والآمال، يبقى القضاء المغربي، المشهود له بالكفاءة والنزاهة والموضوعية، هو الركيزة الأساسية لضمان التنزيل الصحيح والفعال لهذا الورش الإصلاحي الطموح. إن قدرة القضاة على تبني هذه التوجهات الجديدة بروح من العدالة والإنصاف، مع الابتعاد عن أي ممارسات انتقائية، هي ما سيحدد مدى نجاح هذا القانون في تحقيق أهدافه النبيلة في إصلاح المنظومة الجنائية وتعزيز الإدماج الاجتماعي.

Post a Comment

أحدث أقدم