أكد الأستاذ جلالي العدناني، أستاذ التعليم العالي والمؤرخ المتخصص في التاريخ الاجتماعي والديني والقضايا الترابية، على الدور المحوري الذي لعبته مدينة فاس في نشر الإسلام في إفريقيا جنوب الصحراء، ودور الطرق الصوفية، وعلى رأسها الطريقة التجانية، في تحويل مجتمعات وثنية إلى مجتمعات مسلمة.
لطالما كانت مدينة فاس، وفقاً للعدناني، مركزاً تجارياً وحضارياً هاماً يربط سجلماسة وإفريقيا جنوب الصحراء بسبتة والمدن الإيطالية. ويشير العدناني إلى قصص تحدث عنها الشيخ أحمد التجاني حول تجار فاسيين كانوا يسافرون إلى إيطاليا لأغراض التجارة، وهو ما كان يعاب عليهم من قبل بعض الفاسيين في ذلك الوقت لسفرهم إلى “بلاد الكفر”.
لكن إشعاع فاس الحقيقي، كما يوضح العدناني، بدأ مع دخول الطرق الصوفية التي اضطلعت بمهمة نشر الإسلام على نطاق واسع. فبعد أن كان الإسلام مقتصراً على النخب السياسية من ملوك ووزراء وعلماء، جاءت الطرق الصوفية، وخصوصاً الطريقة القادرية والتجانية، لتسجل “الموجة الثالثة للإسلام” في نهاية القرن الثامن عشر وطوال القرن التاسع عشر.
أصبحت الطريقة التجانية مهيمنة ومؤثرة جداً في إفريقيا جنوب الصحراء حتى يومنا هذا، وشكلت أساس العلاقات المغربية السنغالية. وقد تلتها الطريقة المريدية التي أسسها الشيخ أحمد بمب في عام 1927. وتوجد أيضاً فروع أخرى للتجانية مثل الطريقة الحموية المنتشرة في مالي وموريتانيا والكوت ديفوار، والتي حاولت تقديم نفسها كطريقة مصلحة تسعى للعودة إلى ما تسميه “سلفية تجانية” مع الشيخ أحمد شيخ حماه الله.
في سياق آخر، تتناول أعمال الدكتور العدناني وكتاباته “القضية الوطنية” باللغة الفرنسية، حيث ألف كتاباً بعنوان “الصحراء: المحك الاستعماري”، وهو قيد الترجمة حالياً في أكاديمية المملكة إلى اللغات العربية والإنجليزية والإسبانية. هذه الأعمال تعكس اهتمامه العميق بالقضايا الترابية والتاريخ الاستعماري للمنطقة.
تأتي هذه الرؤى لتسلط الضوء على العلاقة المتجذرة بين المغرب وعمقيه الإفريقي، وتؤكد على الدور التاريخي للمملكة في نشر قيم التسامح والاعتدال من خلال الطرق الصوفية، فضلاً عن أهمية الأبحاث التاريخية في فهم القضايا الراهنة.
عن موقع: فاس نيوز
إرسال تعليق